الثفوب السوداء

Picture
   لأول مرة وجد فريق من العلماء والباحثين الطريقة لرؤية القرص المتنامي الذي يحيط بثقب اسود، ويؤكدون أن الأطياف المغناطيسية الحقيقية تماثل التكهنات التي قام بها الفلكيين من قبل.
  أن الاعتقاد كان سائدا علي أن لب المجرات المكون من ثقب اسود وقرص مشع متنامي (أي في ازدياد مستمر) حول هذا الثقب الأسود، هو مصدر الضوء القوي الصادر من هذه المجرات البعيدة، وباستعمال مرشح التقاط صور مقطب، تمكن فريق العلماء في سانتا بار برا ولاية كاليفورنيا من عزل الضوء الصادر عن القرص المتنامي من بقية مصادر الضوء للمواد المحيطة بالثقب الأسود، وهو ما عزز قبول شرح مصادر الضوء الهائلة في لب المجرات والتي يطلق عليها (كويزر)، وهو الشرح الذي يقول أن مصدر طاقة لب المجرة وإنتاج الضوء فيه يشمل سقوط المواد نحو الثقب الأسود الهائل ودوران هذه المواد في شكل دوامة في طريقها إلي المصير المحتوم نحو الثقب الأسود، وهذا الشكل (قرص) الذي تأخذه المواد يحدد حدود الثقب الأسود، وفي خلال عملية الدوامة هذه يسبب احتكاك المادة لزيادة الحرارة وبالتالي إنتاج الضوء في كل الأطياف المرئية وغير المرئية ( أشعة ما تحت الحمراء والأشعة ما فوق البنفسجية) يحدث هذا قبل أن تسقط المادة في الثقب الأسود مما يزيد من كتلة الثقب.

   وكان العلماء يستطيعون التكهن بالطيف الكهرومغناطيسي للب المجرة بواسطة قوانين الفيزياء، ولكن اختبار النتائج كان مستحيلا حتي الآن، لأنهم لم يتمكنوا من التمييز بين الضوء الصادر عن قرص الدوامة وتلك الأضواء الصادرة عن المواد وسحب الغازات المحيطة والمجاورة للثقب الأسود، وعندما تم تركيب المصفي لمنظار الأشعة مادون الحمراء الموجود بالمملكة المتحدة أمكن عزل الأضواء الغير مرغوب فيها والتقاط الصورة لقرص الدوامة المضيئة حول الثقب الأسود وقياس الأطياف المطلوبة، وبدراسة أطياف جسم مضيء مثل لب المجرة يقدم للفلكيين معلومات ثمينة عن هذا الجسم من حيث المكونات ومعلومات أخري.

   حتي الضوء لا يستطيع الهروب من قبضة الثقب الأسود ولكن الغازات المندفعة إلي داخل الثقب الأسود تسخن وتصبح مصدرا كثيفا لأشعة اكس، حيث تصل درجة الحرارة لهذه الغازات  لتوازي ألف ضعف حرارة الشمس، ويستعمل العلماء مرصد شاندرا لأشعة اكس (وهو قمر صناعي تابع لوكالة ناسا) لدراسة هذه الأشعة وفحص خواصها.

   إن الثقوب السوداء عميقة وكثيفة، ولكنها ليست مظلمة كما نظن، فإذا كان لديك منظار ثنائي، ربما تري كتلة ضوئية هي اقرب المجرات لنا، ولكنك سوف لن تري الثقب الأسود المتواجد بتلك المجرة حتي بمنظار كبير، ولكن باستعمال الحاسوب قام احد العلماء بمحاكاة ما يحصل للغازات حول الثقب السود، حيث وجد ان الغازات المندفعة إلي داخل الثقب تسخن إلي درجات عالية جدا عندما يقوم الحقل المغناطيسي للثقب بسحبها إلي داخل الثقب مما يجعل الغازات تطلق أشعة اكس، حيث ان المواد قبل سقوطها في الثقب تشتعل بشكل كبير في حيز أشعة اكس، مما يمكن المرصد شاندرا من التقاط صور لهذه الأشعة في جميع أنحاء الكون.

   وكما يعتقد العلماء فأن كل مجرة في الكون تؤوي ثقب اسود في مركزها، وربما تبلغ كتلة هذه الثقوب من ملايين إلي بلايين المرات مثل كتلة الشمس.

   ان الثقوب السوداء هي اظلم المواد في الكون، إذا فقد الغاز في حلقة حول الثقب الأسود طاقته،فأنه سوف يتحول إلي دوامة متجها إلي الثقب الأسود، مما يولد إشعاعا في طريقه، ولقد اعتقد الفيزيائيين ان حقول المغناطيس هي التي تؤدي إلي توليد هذه الإشعاعات في الثقوب السوداء، وهي تفعل ذلك بسبب الاحتكاك الذي يحصل للغازات والرياح المندفعة من الحلقة حول الثقب إلي داخله، ويقدر العلماء ان نصف الإشعاعات في الكون تأتي من المواد الهاوية نحو الثقوب السوداء الهائلة.

   ماذا وجد المرصد شاندرا، إن هذا المرصد يقيس كمية أشعة اكس الصادرة عن طاقات مختلفة ( ما يسمي طيف أو حيز أشعة اكس) وهو دراسة بصمات الضوء طبقا للون الضوء، وهذا اللون في الضوء طبعا يشير إلي الطاقة مصدر الضوء، حيث أن كيميائية المواد تشع عند طاقة معينة، أي انه بالاستطاعة تحديد المكونات الكيميائية لمادة ما من طاقتها، وقام مرصد شاندرا  بدراسة حيز أشعة اكس الصادرة عن الثقب الأسود المعروف بـ j1655  الموجود في مجرتنا طريق التبانة، حيث وجد أن الثقب يسحب مواد من نجم قريب من الثقب، مما جعل هناك إشعاعات هائلة، ولقد وجد أن سرعة وكثافة الرياح في هذه الحالة تطابق المحاكاة التي تمت باستخدام حاسوب.

   ان الثقب الأسود بولد عندما يستعمل نجم هائل كل مادته، فالسبب أن الشمس والنجوم تشع ضوءا هو لان هناك تريليونات التفاعلات النووية تحدث داخلها، حيث تكون درجة حرارتها عند اللب ملايين الدرجات، وتتحول ذرات الهيدروجين إلي ذرات هليوم، وكنتيجة تصدر عنها إشعاعات، وعند نقطة معينة علي أي حال، فأن جميع الذرات تكون قد استعملت،وبالتالي فلن يكون هناك تفاعل ذري، وبدون قوة الانتشار الخارجية، فأن النجم ينهار إلي الداخل، حتي الوصول إلي نقطة تكون معها قوة السحب الجاذبية قوية إلي درجة أن الضوء لا يستطيع الإفلات منها، وهذا ما يسمي الثقب السود، مع العلم أن أحدا لم يري الثقب السود بذاته حتي الآن، وكانت حتي عهد قريب عبارة عن نظرية، ولكن العلماء يقولون إن وسط الثقب الأسود له كثافة لانهائية، وحقل جذب لا نهائي، كما أن هناك سكون دائم، أي انه لن يحصل تغير للثقب الأسود، وهذا ما يسمي بالانفرادية، أي ان المواد الهاوية في الثقب لا مجال إلي خروجها إلي أي مكان أو هروبها منه.

  يوجد الآن قمر صناعي يسمي سويفت (swift) والذي يقوم بفحص للثقوب السوداء واتضح أن الثقوب لا تتكون لحظيا أو فجأة، كما كان يعتقد، فقد عرف العلماء الآن انه بعد أن ينهار النجم ويموت، مكونا ثقبا اسود، فأن هذا الثقب يسبب فوضي شديدة، حيث يقوم هذا الثقب المولود حديثا بالتهام كل ما حوله من مواد، ووجدوا انه بلفظ خارجا أشعة جاما.

  ويقوم القمر الصناعي سويفت بالتقاط صور للثقب الأسود الحديث الولادة، وتم الكشف عن ولادة أكثر فوضوية مما كان معتقدا، وبعرف الباحثين الآن انه عندما ينهار النجم ويموت، مكونا ثقبا اسود، فأن الثقب الأسود يلتهم المواد المحيطة به كما انه يقوم بإطلاق مواد مكونة من عدة نبضات ضوئية.

  إن القمر الصناعي سويفت والذي يستعمل للنظر إلي تفاعل الثقوب السوداء، فريد لأنه يقوم بكشف نبضة الضوء من نجم في حالة انهيار، ويقوم بالتركيز علي ذلك النجم ليسجل الانفجار، وكان الاعتقاد سائدا أن النجم يموت في انهيار واحد، ولكن المسبار سويفت اظهر أن النجم يموت وينهار في سلسلة من الانفجارات، ثلاثة أو أربعة، قبل أن يكون ثقب اسود.

  إن القمر الصناعي سويفت أطلق في نوفمبر 2004م، وكان هدفه هو تجميع وتحليل البيانات من نبضات أشعة جاما، وطاقات اعلي أخري تحدث في الكون، باستعمال احدث ما توصل اليه العلم من مناظير لأشعة اكس والأشعة ما فوق البنفسجية، حيث يستطيع العلماء الآن النظر إلي نبضات أشعة جاما بعد دقائق من حدوثها، بدلا من ساعات أو أيام، وبالتالي يستطيعون رؤية الثقوب السوداء وهي تولد.

  ولقد وجدوا انه حين انفجار نجم هائل، أولا يكون هناك انطلاقا لأشعة جاما، تتبعها نبضات مكثفة من أشعة اكس، ولقد كانت هناك إشارات لهذه الأنشطة من قبل، ولكن سويفت كشف عن ان هناك أكثر عددا من الانفجارات الثنائية الواضحة، وبدأ العلماء في الإفصاح عن فرضيات عدة لشرح هذه الظاهرة.

 
Picture